حالة النقد بمصر فى الوقت الحالى, الدكتور محمد الطواب
يعيش النقد الادبى فى مصر حاليا حالة ملحوظة من الحراك و النشاط الغير مسبوق فى السنوات العشر الاخيرة و اخشى ما اخشاة انها تصبح ظاهرة ترتبط بالكم و لا تهتم كثيرا بالكيف وقد ظهرت من خلال هذا الحراك عدة اتجاهات و ظواهر و التي ارصدها فى الاتى :
اولا : غياب الاسماء الكبيرة الاساتذة فى عالم النقد غياب الاسماء الكبيرة الاساتذة فى عالم النقد و التى كنا نستشهد بارائهم النقدية و نسير على هداهم و مناهجهم النقدية مثلما كان النقاد السابقين يفعلون و ينهلون من اساتذتهم من كبار النقاد العماليق من امثال
(طه حسين، العقاد، و رجاء النقاش – سهير القلماوى – عبد القادر المازنى – محمد مندور – لويس عوض ) و بعد غياب مثل هذه الاسماء الكبيرة واجهنا مشكلات كبيرة فى النقد و تشتت اتجاهاته ومناهجه.
ثانيا : تأثير الأكاديمين على النقد
ان تأثير الاكاديمين على النقد يتجه به نحو التنظير الاكاديمى المبنى على نظريات سابقة التجهيز حيث اصبح ما يصل الينا من النقد الأدبي يصدر فى الوقت الحالى من جامعات ومعاهد اأكاديمية مما صبغ الاساليب النقدية فى مصر حاليا بالطابع النظري التجريدي و لا يضع فى الاعتبار قدرات القارئ العادى غير المتخصص على فهم ما يكتبون و هذا لايمنع ان هناك اقلام من بين الاكاديمين لها منهجية خاصة و توهج خاص و سبيل الذكر و ليس على سبيل الحصر لدينا ما تكتبه الاستاذ د. وفاء كمالو Dr-Wafaa Kamaloمن مقالات نقدية متميزة بعيدة عن التنظير و التقعر و التى تتناول العمل الادبى او الدرامى بقراءة تجمع بين القراءتين الجمالية و القراءة ثقافية و باسلوب بيعيد كل البعد عن التنظير و التقعر و التغريب.
ثالثا : التنوع الكبير بين اجيال النقاد الجدد و اختلاف اتجاهاتهم النقدية :
فى الوقت الذى نجد فيه جيلا قديما من النقاد الذين أسّسوا لمناهج النقد التقليدية مثل (النقد الواقعي – البنيوية – التحليل النفسي،)، نجد ايضا الجيل الجديد من النقاد الشباب الذين يستخدمون ما استحدثوه من أدوات نقدية جديدة و منها النقد الثقافي، ونقد الخطاب، والسيميائيات وهوعلم او منهج البحث عما تخفي اللغة تحت ظاهرها و تحليل رموز النص و دلالاته .
رابعا : النقد الصحفى ونقد مواقع التواصل الاجتماعى :
اصبحت منصات الإنترنت والسوشيال ميديا ملاذا للكثيرين من النقاد الجدد و منفذا جيدا لهم و لاسهامتهم النقدية و سمحت بظهور شكلا جديدا من اشكال “النقد اللحظي” أو الانطباعي وليد التأثر بالعمل الادبى او الفنى ، وهذا النوع من النقد يفتقر الى ابسط قواعد النقد العلمى الصحيح ويعتمد بالدرجة الاولى على ذوق و ثقافة و مستوى تعليم المتلقى والتجربة الذاتية و خبراته السابقة لأن معظمهم عندما يتصدى للنقد فأنه يكتب فى حدود امكانياته النقدية المبنية على ماسبق مما يؤدى او ادى بالفعل تراجع النقد العميق و ظهور هذا النوع من النقد المسطح غير العميق و الذى لا يخدم و لا يرتقى بالنقد الادبى فى مصر و لكن هذا لا يمنع ان نعترف ان من بين من يتصدى للنقد الادبى من خلال هذه الوسائط من هم على مستوى عال جدا من الكتابة النقدية المبنية و المؤسسة على دراسة و علم و معرفة و دراية بماهية النقد و لكنهم قلة قليلة .و ومن بين هؤلاء الناقد الاستاذ Sayed Jomha – سيد جمعة الذى يتناول الاعمال الادبية و الفنية برؤية جمالية و ثقافية فى نفس الوقت
و مما سبق نخلص على ما يمكن حدوثه من تأثيرات على حياتنا الثقافية و النقدية :
اولا الإيجابيات:
بزيادة عدد النقاد اصبح لدينا قدر كبير من حرية النقد وحرية التجريب فى هذا المجال ، مما يتيح ظهور أسماء جديدة واعدة سواء في مجالات الإبداع الابدى ( القصه و الرواية و المسرحية و الشعر ) أو فى مجال النقد التى نحن بصددها الأن ، و هذا يتيح لنا الاستمتاع بغزارة الانتاج الثقافى و ما يصاحبه من نشاط نقدى .
ثانيا السلبيات:
لة وجود الاسماء الكبيرة فى عالم النقد وبالتالى قلة ظهور مقالات او اطروحات النقد الجاد المتعمق و الذى يؤدى إلى فوضى في تقييم و نقد الأعمال الأدبية و نجد نتيجة لذلك ان بعض الإبداعات الادبية لا يتم تقييمها نقديا بينما يروج لها جيدا على كل وسائل الاعلام المقرؤة ،و المسموعة و المرئية مما قد يغلب الانتاج او الابداع الضعيف على الإبداع الحقيقي أحيانًا الذى لم يجد من يتصدى له او ينتصر له نقديا ليضعه فى مكانه و مكانته الصحيحة .
و فى النهاية نستطيع القول بأن المشهد النقدي في مصر الآن هو عبارة عن ” ملعبا كبيرا مفتوحًا” فيه الكثير من الطاقات والإمكانات و الاقلام الواعدة، لكنه يفتقر الى التنظيم، و يفتقر إلى خلق مشروعات نقدية عن طرق مؤسسات فنية ادبية تتبنى الكشف عن المواهب النقدية الحقيقية ومتابعة تطورها من حين الى اخر لنضمن ايجاد نقد جاد مؤسس على علم و دراية و منهجية و بالتالى و بالتبعية سوف يظهر بالتوازى مع ذلك ادب جاد و متميز لأن الادب بدون نقد حيقي ليس ادب حقيقى لأنه يفتقر الى التوجيه و الاشادة و المدح او احيانا الانتقاد للارتفاع بمستوى المبدعين فى مصر .
توقعات مشتقبلية لمستقبل النقد فى مصر
هناك توقعات بصعود النقد الثقافي وتراجع النقد الأدبي التقليدى و يرون ان النقد في المستقبل سيبتعد أكثر عن النقد الأدبي الذي يركز على “جماليات النص”، وسيتجه نحو النقد الثقافي الذي يقرأ الأدب باعتباره وثيقة اجتماعية تعبر عن قضايا الهوية، السلطة، النوع، الطبقة،الحرية و الى اخر ما شبه من قضايانا الاجتماعية .
و يتوقعون ايضا ان النقاد الجدد سيستخدمون أدوات مثل: التفكيك ، نقد الخطاب، ، دراسات ما بعد الكولونيالية او تأثيرات ما بعد المرحلة الاستعمارية التى عانت منها الكثير من شعوب العالم و منهم مصر بطبيعة الحال و التى يرون ان اثارها على الهوية المصرية لازالت مؤثرة ، و سيظهر بقوة ما يسميه البعض بالنقد النسوي.
ويتوقع الكثيرون ايضا ان يصبح الناقد في مصر “قارئًا ثقافيًا” للعمل الادبى أكثر منه “قارئًا جمالياً خالصًا”. للعمل الادبى
توقعات اخرى لمستقبل النقد فى مصر
مستقبل النقد سيكون نقداغ رقميًا بنسبة كبيرة و سنرى مقالات نقدية على مواقع إلكترونية و مراجعات عبر اليوتيوب والبودكاست، و نقاشات نقدية عبر غرف تويتر وفيسبوك.
و سيعود تأثير الجمهور العادي و سيكون له دور اكبر في تشكيل “الذوق العام الأدبي” فى مصر عبر التفاعل والتقييم المباشر، مما قد يخفف من دور و تأثير الناقد الكلاسيكي.
سيبرز عدد من المبادرات النقدية المستقلة التي يديرها شباب عبر الإنترنت، وربما تكون أكثر حرية وجرأة في تناول النصوص وقضاياه . و سيحدث ذلك بسبب تراجع المؤسسات التقليدية (الاعلام و المجلات الثقافية، الهيئات الحكومية).
و نتوقع ايضا مع الانفتاح على الترجمة والاطلاع على حركات النقد العالمية، سيظهرجيل جديد من النقاد المصريون الذين ربما يتناولون بالنقد بلغة أجنبية لبعض الاعمال من الأدب العربي ، أو يشاركون بمقالاتهم فى مجلات نقدية عالمية بلغات اجنبية مما يتيح الفرصة أمام الأدب المصري ليُقرأ بنظرات نقدية عالمية جديدة تمامًا.
و مع ازدياد حاجة المبدعين و المتلقين لمناهج نقد واضحة وسهلة الفهم، وليس نقدًا نخبويًا متقعرا و غارقًا في المصطلحات الاكاديمية فأنه من المتوقع أن يزداد الطلب على النقد البسيط الذي يحاول ان يكون عميقا و علميا ولا يفتقر الى الوضوح فى ذات الوقت و بالتالى فأن نجوم النقد القادمون هم الذين يستطيعون شرح الأفكار النقدية بلغة مفهومة .